خبرية علمية ثقافية طبية اقتصادية اجتماعية

    حوار ممتع مع افكار حسن حتفي

    " أنا لدى الإخوان شيوعي ، ولدى الشيوعيين إخواني ولدى الحكومة شيوعي إخواني" هكذا وصف نفسه د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة والحاصل مؤخرا على جائزة الدولة في العلوم الاجتماعية ، في شهادته لجمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب ، والتي أدارها د. صلاح قنصوة.

    وحسن حنفي له العديد من الدراسات والآراء الفلسفية الهامة ولكنه أيضا مرتبط بالعديد من الأزمات الشهيرة بسبب آراء له استهجنها باحثون واعتبرها آخرون معادية للإسلام ؛ باعتبار أنها ترفع القداسة عن مصادر تراثية أساسية لدى المسلمين ومنها القرآن والسنة النبوية .

    وقال حنفي في شهادته بمعرض الكتاب أنه " سليل الهزائم والانتصارات " ؛ فهو مواليد 1935 وحينما بلغ من العمر عشر سنوات شاهد الطائرات الألمانية والبريطانية في سماء القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1946 مثّل المدارس الابتدائية في اضراب الطلبة والعمال آنذاك، ثم جاء عام 1952 بعد حريق القاهرة وكانت فرحة المصريين غامرة لانتهاء الملكية والاقطاع وانتصار الحركة الوطنية، ثم حدث تأميم قناة السويس الذي جعلنا نحلم بمصر مركزا للعالم العربي والشرق أيضا.

    يتابع : جاءت الصدمة عبر الهزيمة عام 1967 وتغيرنا كثيرا وتسائلنا ما السبب في ضياع الحلم؟، ولكننا انتصرنا عام 1973 وسرعان ما تبدل فرحنا حزنا بعد كامب ديفيد.

    يقول حنفي : تخرجت عام 1956 في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة وكنت أول دفعتي على مدى أربع سنوات، ولعدم وجود منح بالجامعة غامرت وذهبت إلى فرنسا وحصلت على دكتوراة الدولة وعدت إلى مصر وأنا أحمل مشروعا نهضويا كبيرا يتوزع على ثلاث مستويات ؛ الأول علمي بحثي يتناول التراث والتجديد، والثاني على المستوى الثقافي ومن خلاله كتبت عن حصار الزمن، وهموم الفكر والوطن، والمستوى الثالث هو الخطاب الشعبي حيث كتبت عن الدين والثورة في مصر، عرب هذا الزمان، وطن بلا صاحب، ومن ثم لا أدري ما هو جوهري بالضبط؟ هل أنا المثقف أم العالم أم ماذا.

    حاولت تأسيس تيار اليسار الإسلامي ، ولكنني تساءلت : كيف أستطيع أن أبدأ بالإسلام الذى خرج منه الإخوان وكل التيارات السلفية، وكيف سأناقش مشكلات مثل الاحتلال والضياع والقهر والتسلط، واعتبر حنفي وقتها أنه مسلم ولكن ليس على الطريقة السلفية لأنه يريد مناقشة قضايا لا يرى للدين نفسه دخل بها ولكن البشر ، ومنها تحرير الشعوب والعدالة والوحدة ، وقد صادر القضاء مجلته وعاد ليفرج عنها بعد فترة .


    حصار الزمن

    عرض د. حنفي مشروعه الفكري قائلا: أعيش في سجن من حوائط ثلاث أسميه حصار الزمن لا أدري في أي عصرأعيش هناك ماض يعيش في وأنا ابنه وهناك مستقبل أحاول أن أقفز إليه، وهناك واقع اعيش فيه لا ادري كيف أشخصه".
    وأوضح أنه يحاول فك هذا الحصار وإعادة بناء التراث القديم بعلومه من جديد قائلا: نحن نتحدث عن الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة وكأنهم يعيشون بيننا مع أن هناك اكثر من ألف سنة تفصل بيننا وبينهم، نكرر مشاكلهم وقضاياهم وآرائهم .

    حاولت أن أحول علم الكلام من الدفاع عن عقيدة الله إلى الدفاع عن الأرض خاصة أنني أمام عدو إسرائيلي غزا العالم بأفكاره التي يروجها والتي مفادها أنه لا يستطيع عبادة الله سوى في هيكل سليمان في فلسطين أما أنتم أيها المسلمون فأينما تولوا فثم وجه الله ، وبالتالي فلسطين لا تشكل لكم أهمية في عقائدكم، أما نحن اليهود ففلسطين جزء من العقيدة، وأمام هذا التحدي أردت أن أبين أن الأرض والشعب جزء من العقائد .



    وهكذا فعلت مع علوم الحكمة أي الفلسفة، ومع علوم الفقه أي الاستدلال وكثيرا ما تساءلت هل كل المشكلات صالحة للعرض على الكتاب والسنة والإجماع والقياس ؟، ورأيت أن الإجابة بالنفى ؛ فمشكلة مثل المواصلات تحتاج لحلول دنيوية او واقعية وليست نصية شرعية ، ومن هنا فقد حاولت تشجيع الناس على التفكير في المصلحة العامة وليس فقط النصوص ، ولكنه استشهد بمقولة لمحمود درويش في احدى قصائده : " احتمى ابوك بالنصوص .. فأتى اللصوص " !

    ثم حاولت أن أفعل ذلك في التصوف أيضا – يتابع حنفي – حيث كان مجرد حركة سلبية في مواجهة الواقع واعتزاله بعد استشهاد آل البيت، أرادوا انقاذ النفس حين كانت المقاومة أمر ميئوس منه بفضل معاوية ويزيد، لكننا الآن نعيش عصر المقاومة الناجحة في فلسطين وأفغانستان فلماذا لا أعيد بناء التصوف بمقامات وأحوال جديدة حتى أحيي الإسلام من جديد، وهذا ما أقوم بتدريسه في قسم الفلسفة.

    واستطرد حنفي بقوله أنه يسعى لإعادة بناء العلوم النقلية الخمسة : القرآن، الحديث، السيرة، الفقه، والتفسير ، وأنه يسعى لربط الوحي الإلهي بالزمان والمكان ، أي بدراسة أسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها ، لإثبات أن القرآن جاء لمعالجة قضايا ولإجابة تساؤلات واقعية ، بحسبه . أما في علم الحديث فيقول حنفي أنه يهتم ليس بالسند فقط كما فعل الأولون ولكن بالمتن أيضا ؛ فقد يصح السند ولا يصح الحديث، وفي علم السيرة قال حنفي أنه اكتشف أن غالبية الناس يمجدون شخص الرسول صلى الله عليه وسلم عبر الابتهالات والموالد ، ولكنهم لا يطبقون رسالته .
    وفي علم التفسير قال أستاذ الفلسفة أنه قدم تفسيرات موضوعية ، بحيث جمع آيات تتحدث في موضوع واحد وفسرها ، ومن هنا نتعرف على رأي الإسلام في الإنسان والطبيعة وغيرها من الموضوعات والقضايا.

    وفي علم الفقه يرى د. حسن حنفي أن المسلمين يعطون الأولوية للعبادات على المعاملات ، ومن هنا يتفقهون في قضايا الغنائم والرق والسبايا ، وكلها انتهت ، ولا يتفقون في موضوعات العلاقات الدولية، والازمات الرأسمالية.

    التبعية للغرب

    فيما يتعلق بالحائط الثاني في مشروعه وهو المستقبل أو الآخر ، انتقد حسن حنفي الإكتفاء فقط بالترجمة والتعليق والتفسير من جانب العرب وتراجع الإبداع أو إنتاج جديد ، وقال أنه سعى كثيرا لإنهاء حالة التبعية للغرب هذه ، عبر دراسات كثيرة .

    الضلع الثالث هو الحاضر في إجابة على سؤال في أي مرحلة تاريخية أعيش؟ ويقول حنفي : لا أريد أن أرى الواقع باستمرار من خلال مرآة النص، أريد ان أتحول وأناقش قضايا الواقع مثل تحرير فلسطين والعدالة الاجتماعية، كما أننا مهددون بالتفتيت كيف نستطيع ان نضمن الوحدة في مقابل القوى الكبرى المهيمنة على العالم، كيف نستطيع أن نجند الجماهير التي أصبحت أكثر ذاتية، أتذكر قول الفرنسي شارل ديجول حين خاطب الرئيس عبد الناصر قائلا: لماذا أنتم العرب تريدون مساعدتي انظر إلى الخريطة أنت مسلح بدول عربية وإسلامية كبيرة في مقابل رقعة بسيطة على الخريطة تسمى إسرائيل وبعد كل هذا تطلبون مساعدتي رغم كل ما لديم من أموال وسواعد وموارد وأسواق؟، وهنا أقول نحن الجيل الذي أضاع نصف فلسطين عام 48 وأضاع النصف الآخر عام 67.


    وفي رده على المداخلات أكد د. حنفي أن هناك أملا دائما في الإصلاح عبر النقد الذاتي والقدرة على الحوار مع الاخرين وهذا ما يربي عليه تلامذته في الجامعة والمعيدين، وأضاف: نصر حامد أبوزيد وسيد القمني من طلابي ولكني نصحتهم بالبعد عن الإعلام الذي لا يهمه سوى تحقيق نصر خاص للوسيلة على حساب القارئ ، وأؤكد ان في أروقة الجامعة ألف مثل نصر حامد وسيد القمني ولكنهم يعملون في صمت!.

    وفي رده حول سؤال متى نعود للخلافة الإسلامية أجاب قائلا: العودة الى الخلافة ليست مطلبا نحن قادرون على أن نبدع شيئا سياسيا جديدا ليس بالضرورة الشكل القديم، انظروا كم مسمى لدينا إمارة، سلطنة، جماهيرية، الأهم هو الممارسة وليس المسمى.

    RSS Feed Subscribe to our RSS Feed

    Posted on : | By : aziz829 | In :