في تحد جديد للغرب وبعد ساعات من القرار الذي أقرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويدين برنامجها النووي ، أعلن التليفزيون الإيراني يوم الأحد الموافق 29 نوفمبر / تشرين الثاني أن طهران تعتزم بناء 10 منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم .
ولم يكتف التليفزيون الإيراني بما سبق ، بل إنه أكد أيضا أن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ستبدأ العمل في محطات التخصيب الجديدة خلال شهرين ، كما نقل عن الرئيس محمود أحمدي نجاد القول إن إيران ستنتج ما بين 250 و300 طن من الوقود النووي كل عام .
ويبدو أن طهران في طريقها لمزيد من التصعيد ، حيث طالب مجلس الشورى الإيراني في 29 نوفمبر أيضا حكومة بلاده بتقديم خطة سريعة لخفض مستوى تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وجاء في بيان وافق عليه 226 نائبا أن الحكومة الإيرانية مطالبة بتقديم خطتها ومشروعها في أسرع وقت ممكن إلى مجلس الشورى الإسلامي لخفض مستوى تعاونها النووي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
البيان السابق جاء متزامنا مع تحذير رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني من أن بلاده قد تخفض إلى حد كبير تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، منددا بقرار الوكالة الذي يدين طهران بسبب برنامجها النووي.
وقال لاريجاني في كلمة ألقاها أمام البرلمان :" قرار الوكالة الذرية مجرد مزايدة سياسية ، وأضاف محذرا الدول الست الكبرى "لا ترغموا البرلمان والأمة الإيرانية على اختيار طريق آخر وخفض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
تحذير لاريجاني يؤكد أن طهران عازمة على المضي قدما في برنامجها النووي مهما كانت النتائج ولعل مسارعتها إلى الإعلان عن بناء 10 منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم يؤكد صحة الأمر السابق .
فالإعلان هو تحد صريح لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر في 27 نوفمبر / تشرين الثاني بغالبية 25 من أعضائها الـ 35 ويدين إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل ويطالبها بـ"تجميد" بناء المنشأة النووية الجديدة في فوردو قرب مدينة قم التي أخفت طهران بنائها حتى أيلول/سبتمبر الماضي .
ورغم أن البعض يعتقد أن إسرائيل قد تستغل هذا الإعلان للقيام بضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية ، إلا أن هذا الأمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن وذلك لعدة أسباب من أبرزها مأزق الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يتصاعد يوما بعد يوم في العراق وأفغانستان ، فمعروف أن إيران لها نفوذ واسع في البلدين وبدون مساعدتها ، فإن أوباما قد يخرج من هناك بخسارة عسكرية فادحة .
وهناك أمر آخر حاسم في هذا الشأن وهو تطور قدرات إيران العسكرية بشكل كبير ، حيث استبقت الإعلان عن بناء 10 منشآت نووية جديدة بإجراء أضخم مناورة جوية في تاريخها عرفت باسم بـ "المدافعين عن سماء الولاية " والتي ركزت على حماية برنامجها النووي من أي تهديد خارجي.
مناورات عسكرية
والتصريحات التي تزامنت مع إجراء المناورة تؤكد أن مهمة إسرائيل باتت صعبة جدا ، ففي 25 نوفمبر ، أعلن العميد أمير حاجي زادة قائد القوة الجوية والفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني أن بلاده قادرة على تدمير الطائرات الإسرائيلية من طراز F15 وF16 بدفاعاتها الجوية كما بوسعها ضرب المطارات التي تنطلق منها واعتبر تهديدات إسرائيل العسكرية لبلاده مجرد "حرب نفسية" لأن الكلب الذي يمكنه أن يعض لا ينبح.
وأضاف أن مناورة "المدافعين عن سماء الولاية" التي انطلقت في 22 نوفمبر / تشرين الثاني تضمنت منطقة واسعة في البلاد وتم خلالها اختبار الظروف الحقيقية للحرب واستخدمت فيها جميع إمكانيات الدفاع الجوي وأنظمة الحرب الإلكترونية.
وعن التهديدات الإسرائيلية المتكررة ، قال زادة إنها حرب نفسية ، وأضاف "نحن على ثقة من عجزهم عن القيام بأي تحرك ضدنا ، الكلب الذي يمكنه أن يعض لا ينبح ، تحرك إسرائيل ضد إيران ستتبعه تداعيات لا يمكن التكهن بها ".
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لم يختلف هو الآخر عما ذهب إليه زادة ، ففي تصريحات أدلى بها في 24 نوفمبر على هامش زيارته للبرازيل ، قلل نجاد من إمكانية شن هجوم عسكري على بلاده من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة معتبرا أن الأسلحة والتهديدات هى شيء من الماضي.
وأضاف قائلا في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس البرازيلي لويس اناسيو لولا دا سيلفا : " عصر الهجمات العسكرية انتهى حاليا، نحن في مرحلة حوار وتفاهم ، الأسلحة والتهديدات هى شيء من الماضي ، هذا الأمر واضح حتى للأشخاص المتخلفين عقليا ، إسرائيل والولايات المتحدة لا يتمتعون بالشجاعة لمهاجمة إيران وهم حتى لا يفكرون بهذا الأمر".
الثقة السابقة في تصريحات المسئولين الإيرانيين تزامنت مع عدة تطورات إقليمية تصب في صالح طهران من أبرزها رفض تركيا بشدة أي عمل عسكري ضد إيران بل وفاجأ رئيس وزرائها رجب طيب أردوجان الجميع بإعلانه تأييد برنامج إيران النووي السلمي وانتقاده الغرب لتجاهل خطر الترسانة النووية الإسرائيلية .
موقف تركيا ومصر
وبالإضافة إلى الموقف التركي ، تلقت إسرائيل صفعة أخرى عندما سارعت مصر لانتقاد القرار الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران ، حيث وصف بيان لوزارة الخارجية المصرية القرار الذي امتنعت مصر عن التصويت لصالحه بأنه غير متوازن.
وجاء في البيان " القرار لم يراع البعد الإقليمى فى تناوله للملف النووى الإيرانى وكان الأمر يتطلب تضمين إشارة واضحة إلى أهمية التعامل مع القدرات النووية الإسرائيلية وإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى".
وأضاف البيان أن القرار تم طرحه على الدول أعضاء مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون إعطاء الوقت الكافى للتشاور بشأنه وجاء فى توقيت غير مناسب وبما لا يسهم فى تدعيم الثقة بين الأطراف المعنية لتسوية أزمة الملف النووى الإيرانى.
وشدد على أن مصر مازالت متمسكة بالحق المشروع لكافة الدول أطراف معاهدة منع الانتشار النووى - بما فيها إيران - فى الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وفقا لالتزاماتها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي وبدون فرض قيود إضافية تحد من هذا الحق.
كما أكد البيان أن مصر متمسكة بحقها وحق كافة الدول أطراف معاهدة منع الانتشار النووى بموجب المادة الرابعة من المعاهدة في الاستفادة من جميع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وأشار إلى أن مصر صوتت ضد مشروع القرار فى إطار مساعيها للتصدى لمحاولات الدول التى تمتلك تكنولوجيا إنتاج الوقود النووى ضمان احتكارها لها ، وذلك في تعقيبه على اعتماد مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا يسمح لروسيا بإنشاء مخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب على أراضيها ليتم استخدامه فى إمداد الدول أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوقود النووى وهو ما اعتبرته مصر مخالفا لبنود معاهدة منع الانتشار النووي لأنه بمثابة احتكار من جانب بعض الدول لتخصيب اليورانيوم .
وبجانب الموقف المصري السابق ، فإن هناك تطورا إقليميا آخر يخدم إيران بشدة ويعرقل أي عمل عسكري ضدها في الوقت الراهن ألا وهو إعلان شركات مملوكة لحكومة دبي في 25 نوفمبر عن طلبها تأجيل سداد ديونها وهو الأمر الذي أثار الذعر في كافة اقتصادات العالم وجدد المخاوف من أزمة مالية عالمية جديدة ، وفي حال كهذا فإن أوباما لن يعطي الضوء الأخضر بسهولة لإسرائيل لشن عمل عسكري ضد إيران خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي مازال يئن تحت وطأة الأزمة المالية التي تفجرت في اواخر عهد سلفه جورج بوش.
RSS Feed
Subscribe to our RSS Feed